المثيرات الحسية لأطفال اضطراب طيف التوحد

لكي يصبح لكل ما نراه أو نسمعه أو نشمه أو نلمسه أو نتذوقه قيمة حقيقية في حياتنا، لا بد من أن تكتمل الأضلاع الثلاثة لمثلث الإدراك الحسي. فالحواس (السمع، والبصر، والشم، والتذوق، واللمس) هي أحد أضلاع ذلك المثلث، وهي النافذة التي نستقبل من خلالها المعلومات الحسية المختلفة، أما الأعصاب، فهي الضلع الثاني لعملية الإدراك الحسي، وهي تقوم بدور الناقلات الحسية العصبية التي ترسل تلك المعلومات إلى الدماغ الذي يمثل الضلع الثالث الذي يترجم تلك المعلومات ويقوم بتحليلها ليصبح لها قيمة ومعنى مكوناً لها الاستجابة المناسبة. فعندما تقوم عمليات الإحساس بتسجيل المثيرات البيئية وايصالها إلى الدماغ، يقوم الإدراك بتفسير هذه المثيرات وصياغتها في صور يمكن فهمها.
أما اذا كان أحد هذه الاضلاع به خلل فلن نكتسب المعلومات بشكل سليم ولن تكون الحياة بشكل طبيعي وسوف يتأخر تطور النمو لدينا وهذا الأمر هو ما نلحظه لدى العديد من الأطفال المصابين بالتوحد حيث نجد أن استجاباتهم غير عادية وشاذة تجاه المثيرات الحسية المختلفة، فقد تقل أو تكثر أو تتسم بالتبلد أو الشدة الزائدة بشكل لا يتناسب مع المثير أو ما تتطلبه الاستجابة
ولما كان الطفل المصاب بالتوحد يعانى ضعف اتصال بعالمه الخارجى المحيط به وكأنه فى عالم زجاجى يجعل من حوله دائم الحيرة فى التعامل معه كانت الصعوبات الحسية تمثل تحدياً أمام العاملين مع هؤلاء الأطفال وكذلك أولياء أمورهم لما لها من تأثير واضح فى سلوكياتهم والحد من استقبال وتفسير وتحليل المعلومات الحسية التى تحد من تعليمهم على النحو الأمثل، إذ أنهم يظهرون استجابات زائدة أو ناقصة للمنبهات الحسية، ويأتي دور تدريبهم على الدمج والتآزر الحسي كأحد أنواع العلاجات الخاصة بالتوحد.
إذاً، فما هي الصعوبات الحسية (sensory dysfunction)؟
يعاني معظم الأطفال المصابون بالتوحد من خلل في الجهاز العصبي المركزي (الدماغ)، وهو الجزء المسؤول عن إستقبال وتسجيل وتفسير وتحليل وترجمة ودمج المعلومات الحسية الواردة عن طريق الحواس الخمس التقليدية (السمع، والبصر، والشم، والتذوق، واللمس) والحواس غير التقليدية (التوازن الدهليزى، والتلامس الحسي، والوعي الذاتي الجسمي)، فتأتي الصعوبات عن ردود فعل غير طبيعية أو غير متوازنة لهذه الحواس، بأشكال متعددة كردود فعل مرتبطة بحاسة الابصار أو السمع أو اللمس أو الشم أو التذوق أو التوازن الجسمي أو الحركات الجسمية المرتبطة بتضامين عمل العضلات والمفاصل والأوتار، والتي تختلف من طفل لآخر حسب عدة عوامل منها شدة الاضطراب  والتدخل المبكر ودور الأسرة.
ولما كانت عملية تربية وتعليم الاطفال المصابين بالتوحد تهدف إلى مساعدة الطفل على الإستفادة من بيئته والتواصل معها، وذلك لأنه يظهر عجزاً واضحاً في ترجمة انطباعاته عنها ولا يكون بمقدوره أن يتعرف عليها أو ينظمها وأحياناً يضطرب الطفل حينما يمر بتجربة إدراكية جديدة اضطراباً يصل به إلى الدرجة التي يتجنب بها هذه التجربة أو أي ظرف مماثل، ولهذا فهو بحاجة إلى بيئة مستقرة ثابتة لها روتين راسخ بالنسبة له من البيئة الحرة الطليقة ومن هنا يأتي دور التدريب علي الدمج الحسي كأحد أنواع العلاجات الهامة الخاصة بالتوحد والتي تعمل على مساعدة هؤلاء الاطفال لتطوير استجاباتهم تجاه البيئة المحيطة بهم من خلال استخدام استراتيجيات وتكنيكات وأنشطة ممتعة لتحسين التآزر والتوازن المتكافئ بين الحواس التقليدية والحواس الغير تقليدية.
كيفية التدريب والعلاج؟
تتعدد طرق العلاج والتدريب على خفض أو تقليل الإضطرابات الحسيه عند أطفال التوحد فمنها:
 
أولاً – تعديل البيئة المحيطة وتهيئتها للطفل
وهذه الطريقة تعتمد على حجب المثيرات التى تؤثر على استجابات الطفل الحسية زيادة أو نقصان كالضوء الشديد أو الخافت أو الضوضاء والحرارة وكلما يحدث اضطراب فى الجانب الحسى للطفل يتم حجبه عن الطفل أو تقليله أو زيادته أو حتى تجنب الطفل هذه المثيرات كى يعيش فى بيئة موائمة أو ملائمة لطبيعته سواء أكانت البيئة المدرسية أو محيط الاسرة.
 
ثانياً – مواجهة الطفل بالبيئة المحيطة به
وهذة الطريقة تعتمد على مواجهة الطفل بالبيئة وما فيها من مثيرات قد تزيد أو تنقص من الاستجابات الحسية التى تحدث للطفل من جراء الإختلاط بهذه المثيرات حتى تصبح أمرأ حتميا لديه فلاحاجة لأن نعزل عنه المثيرات ولا نعزله عنها.
ولا مانع لدينا من دمج الطريقتين معاً من وقت لآخر حتى نصل لنتيجة تحد أو تقل من الإضطراب الحسي لدي الطفل ولا يتم العلاج أو التدريب بشكل عشوائي وإنما وفقاً لضوابط وأسس ومعايير تتمثل بالتالي:
•   
يتم التدريب وفقاً لتصميم خطة علاجية منظمة نبدأ فيها بتحديد المشكلة الحسية من خلال الملاحظة والتقييم
•   
بناء جداول حول الانماط المحتملة للمشكلات الحسية.
•   
تحديد المثيرات السابقة واللاحقة لهذه المشكلة الحسية.
•   
وضع إطار زمني للخطة العلاجية.
•   
تحديد الأدوات والوسائل والإستراتيجية المستخدمة والخاصة بالعلاج الحسي ضمن فريق عمل متعدد التخصصات.
•   
تحديد الأنشطة الخاصة بتنشيط وتطوير التآزر بين الحواس التقليدية والحواس الغير تقليدية.
•   
تحديد الانشطة العملية الخاصة بتنشيط الوعي الجسمي والإدراك الحسي.
•   
تحديد الانشطة الخاصة بتطوير الوعي الإدراكي للأماكن والوعي بالفراغ.
•   
تنفيذ البرنامج ضمن فريق العمل بالتعاون مع الاسرة أوالمحيطين بالطفل.
•   
تحديد الوسائل والأدوات الخاصة بالعلاج الحسي.
•   
التقييم المستمر اثناء وبعد العلاج للمشكلات الحسية.
وبعد هذا العرض نتمنى أن نكون قد أمطنى اللثام عن هذه الإضطرابات وكيفية علاجها ليستفيد منها العاملين فى هذا المجال وأولياء الأمور وغيرهم من الباحثين عن المعرفة حتى لا تؤثر سلباً فيما بعد على أبنائنا من أطفال التوحد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *